روايات من قلب الصعيد

بقلوب ملؤها المحبة
وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

روايات من قلب الصعيد

بقلوب ملؤها المحبة
وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة

روايات من قلب الصعيد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
روايات من قلب الصعيد

الشاعر والكاتب / عبد العزيز عبد الحليم عبد المطلب شاعر الصعيد عامتا ومدينة أسيوط خاصتا شاعر رواية من قلب الصعيد روايات واقعية - شخصيات تاريخية - قصة قصيرة - نوادر - احداث تاريخية - شعر العامية - المربعات - رومانسيات - ادوار صعيدية - الادب الساسي


    حياتى والحب

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 590
    نقاط : 1769
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 15/11/2011
    العمر : 35
    الموقع : اسيوط

    حياتى والحب Empty حياتى والحب

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء ديسمبر 06, 2011 2:51 pm

    وقفت كثيرا حائرا بينى وبين نفسى فى كلمة الحب وهل هذه الكلمة التى تؤثر فى الحبيبين تاثير السحر لها تاثير ايجابى دائما ام سلبى احيانا 0

    لقد غلبتنى هذه الكلمة بما لها من تاثير ايدخل فى تاثيرها الشيطان كى يوقع بها الابرياء وبعدها يروح كل منهما الى حال سبيله بما تحمل فى طياتها من سوء فهم اذا كـان الحب مـن طرف واحـد والطرف الاخر يجارى الجـو فـى خبث كى ينال ماربه 0

    ام هى كلمة سحرية تربط بين اثنين برباط وثيق لا انفصام فيه ام هى كلمة قد اوجدها الله للحب والاخلاص والاخيرة هى الاحرى بديليلان الله سبحانه وتعالى بعد ان خلق ادم خلق حواء من ضلعه الايسر وعندما استيقظ احبها واستهاها محاولا ان يمـد يـده اليها وقـد حذره الله تعالى بـان لا يقربها الا بعـد ان يقدم لها الصداق او المهر ومـا هـو الصداق او المهر انذاك فلم يكن هناك وقتها مال او متاع ولكن الصداق كان بالصلاة على النبى محمد صلى الله عليه وسلم 0

    وقد يقول البعض وكيف يكون الصداق بالصلاة على النبى والنبى من ابناء ادم وهو خاتم الانبياء والمرسلين ولم يولد ولم يبعث بعد 0

    فانـا اود ان الفـت نظـر القـارىء ان الله بعـد ان خلـق ادم مـن طين وبعث فيـه الـروح قـد راى عرش ربـه مكتوبا عليـه " لا الـه الا الله محمد رسول الله " فسال ادم ربه :

    قال ياربى من محمد ؟

    هذا الذى اقرنت اسمه باسمك ؟

    فقال له الله تعالى انه من ابناءك وانه خاتم الانبياء والمرسلين واننى قد خلقتك من اجله 0

    مـن هنـا نعلـم ان الحـب كلمـة اذليـة منـذ خلـق الله ادم وحواء اذا توافرت فيها الاخلاص 0

    الحب كما اتصوره شجرة وارفة الاوراق فى صحراء رحبة جرداء شديدة القيظ يستظل تحتها كل حبيبين مخلصين 0

    وكانا هذان الحبيبان انا احدهما مع فتاة احبها من قلبه وقد تربع حبها فى قلبه فترة من الزمن دون كدر بل فى صفاء لا تعكره اية شائبة 0

    كنت قد احببتها حبا مبكرا وانا فى الثانية عشر من عمرى وقد تولد هذا الحب فور ان قطنت اسرتها فى احد منازلنا المكون من طابق واحد به شقتين كل شقه منهما مكونه من حجرتين وصالة ولا اعرف كيف حدث هذا الحب بينى وبين فتاتى التى احببتها وانا فى سن مبكرة لا تعرف اى معنى لكلمة الحب 0

    لقد حدث هذا الحب الذى ربط بينى وبينها من ابتسامة رقيقة بدت على شفتيها وكانها كانت تنير ثغرها وعلى اثرها شتدت انتباهى ومع ذلك كنت اظن دائما بان هذه الابتسامة الرقيقة مع ابتسامتى التى نتبادلها عباره عن عبث يعبث بها كل منا للاخر ولم اتوقع بعد فترة انها ستنقلب الى الجد والتفكير والمشاغلة والتعلق ونحن صغار لا نكترث باى شىء من هذا ولا نابه به 0

    ولكن بعد كل هذا عرفت ان الحب لا يعرف التفرقة بين الكبار والشباب والاطفال ولا حتى بين الاغنياء والفقراء ولا بين الغجر والصعاليك بل هو بلاء مشفى على كل حال وليس بضار وان كان هو السبيل فى ربط الاجناس الغير متكافئين اجتماعيا او تعليميا او الخ 0

    وبالحب الذى كنت استهين به جن جنونى وخرج بى الى عالم فسيح وافاق عاليه تبلغ عنان السماء لدرجة اننى كنت متمسك بها تمسكا لا يستطيع احد مجرد ان يحاول يثنينى عنها وعلى استعداد ان اخسر الدنيا بحالها وبما فيها من سعادة ورفاهية ولا اخسر شعرة من راسها وبغيرها لا حياة لى فقد خلقنى الله من اجلها وخلقها من اجلى فتولد فى نفسى الهوس وتولدت في الشكوك لدرجة اننى كنت مشغولا بها عندما ارى احد اصدقاء والدها او اقرابئه او ارى احد النسوة من اصدقاء والدتها ام من اقاربها يدخلون البيت لمجرد الزيارة فكنت اخشى ان يكونوا اتين لخطبتها لاحد ابنائهم او ابناء اقاربهم 0

    فيسزداد انشغالى ولا يهدا لى بال وانا اسعى لتقصى الحقائق حتى اذا ما علمت انهم اتين للزيارة ارتاح بالى واطمئن قلبى ولم يقتصر ما حدث عن مرة واحدة وانما كان يحدث فى كل مرة اعمل ايه ؟

    وبعـد ان القـت بقبضـة حبهـا علـى قلبـى ونشبـت باظافرهـا فيـه فـلا مفـر منـه بعـد ذلك 0

    فقد كانت على فطرتها وسنها الحدث قد خرج بها الحب عن دائرة الاستكانة الى دائرة التفتح واتساع الافق فى تفكيرها وكيف تحيط بشباكها حول ما تحبه وتوقعه بها رويدا رويدا الى ان يدخل برجليه فى الفخ المنصوب له فقد وقعت انا الفريسة بين حبال شباكها فلا مغيث ولا معين طالما برضاى ودون اجبار لى فكان من ضمن ادوات القنص التى استخدمتها لى ادوات قد اكون مبالغا فيها ادوات واهنة رقيقة خالية من العنف ملكت بها قلبى وذلك بما كانت تظهره لى من حب تاصل فى اغوارى وملك وجدانى وجوارحى 0

    فقد كانت عندما ترانى اتيا فى اول الحارة او تسمع صوتى تدير بسرعة البرق مفتاح الراديو وياحبذا لو كان الراديو يبث اغنية حب قد تجىء على هواها فقد ترفع صوت الراديو وتردد الاغنية بصوتها مع الراديو فكنت اتوه ليس مع صوت الراديو وانما مع صوتها الممتلىء رقة وانوثة وقد تلفت نظرى احيانا وانا داخل الحارة بخبطة فجائية لباب البيت التفت على اثرها فى اتجاه الباب فاجدها وراءه واراها من خلال الحديد المركب بنظارة الباب اراها وقد احمرت وجينتها كتفاحتين لم ارى مثلهما من قبل فقد يكون هذا اللون قد اعده الله للموعودين امثالى وليس للحاسبين امثال غيرى وقد بدى الحمار بوجنتيها والبسمة بين شفتيها عن ثغر يصطف داخله صفين من اللول الناصع البياض فى خجل لم يسبق له مثيل سابلة عينيها فـان دل كـل هـذا فـانمـا يـدل علـى مـدى الحب الكامـن فى داخلى والذى قد يتلالا باشاعات نوارانية ربانية تتيه معه العقول ويتولد عليه ذوبانى فى بحره العميق 0

    فالحب بقـدر مـا هـو جميل ولذيـذ الا انـه صرفنـى عـن استذكـار دروسى او قضاء اى حاجـة مـن حاجات البيت فقد اقول نعم وانسى ما قلته وانسى ما كلفونى به 0

    قد اصبحت احب والحب بسحره وعذوبة طعمه كان هو حياتى والاول والاخير من حيتاتى هو الذى خرجت به من الدنيا وكما تعلمون ان القيم والاخلاق والشدة والصرامة كانت مسيطرة انذاك على غالبية الشعب المصرى وخاصة بالصعيد وفى القرى بالذات 0

    ولكن ومع كل هذا وجد الحب بيننا ثغرة استطاع ان ينفذ منها غير مباليا باى شىء بالرفض او القبول مستقبلا وبالاخص من ناحيتنا حيث اننا كنا نراعى المقارنة المتكافئة من ناحية الاصل والفصل وما الى ذلك من النظم الذين كانوا يتبعونها قديما ولا نعلم عن اهل محبوبتى اى شىء حيث ان اهلها بعيدين عنا اما من ناحيتنا نحن فنحن معروفون كالعلم الذى يرفرف عاليا فى عنان السماء وكانت تلك المعرفة ليس بالقسوة والجبروت والغلظة علـى الناس رغـم الغنى الذى كنـا نرتع فيـه وانما ذد علـى ذلك السمعة الطيبة فـى الطيبة والاخلاق وبيت جـدى مفتوح ولا ينفق موسوع الا مـن سعته فكنـا فـى ذلك الوقت اليد الطولى التى لا يعلوها غبار 0

    وفاتنى ان كل ما حدث بيننا من ابتسامات ومشاغلات فقد كانت من بعيد لبعيد قد سبق وان قلت ان التقاليد كانت تحول دون اللقاء والمحادثة رغم صغر سننا فلا خطر على بالى ان اجرؤ واكلمها او حتى القى التحية عليها فكنا فى تحفظ شديد ولم ندرى بان التحفظ هو اشد وطاة على الحبيبين وهو ما نسميه الان الحب المكتوم والذى يشبه القنبلة الموقوته والتى قد تنفجر فى اى وقت ولكن الخوف والتحفظ حال دون ذلك وكان الخجل بيننا هو المسيطر الوحيد علينا 0

    لعب الحب دوره معى ومعها فكنت لا اطيق ان ابعد عنها ولو للحظة واحدة فكنت اتخيل هذه اللحظة بمثابة بضع ساعات لم اراها فيها فاذا ذهبت انا الى مكان ما وقد ادت بى الظروف لاطالة الجلسة او القعدة كنت اجىء باقصى سرعة كى اراها بل ملهوما متطلعا لرؤيتها ومما زاد من خوفى عليها واود ان لا تفلت منى كانت لى اخت فى سنها تسالها من حين الى اخر قائلة لاختى اخوك هياخد مين فترد اختى عليها مستطردة هياخدك انت لانها كانت تسمع دائما فى البيت باننى احبها واريد الزواج منها 0

    تسمع هذا من اختى فتسر وتفرح فرحا لاحدود له وانا الاخر احس الدنيا مش سيعانى فلم يكن الحب الذى لفنى من ساسى لراسى يعد قاصرا بينى وبين محبوبتى فقط بل انتشر الحب الذى بيننا واصبح على علم من اسرتينا ولم يكتفى بذلك بل اصبح احدوثة وحكاية بين القانطين بالحارة والشارع ايضا انتشر كانتشار البرق فى السماء وكسهام الشهب التى تشق طريقها كالبرق الخاطف وترتب على ذلك غيرة بعض من البنات اقربائى وكن يغرن منها لدرجة انهن كانوا يعبن عليها رغم اقناعى وهوسى بها وكنت اقول لنفسى لما متلقوش فى الورد عيب قالوا له يااحمر الخدين كانت هذه محاولات منهن لابعادى عنها وكلما ازداد ذلك منهن كلما زدت عنادا واصرارا على ما انا عليه ومضى على هذا الحب الذى تشعب بجزوره فى قلبينا بضع سنوات وقد اضنانا الفكر الذى اخذ بدوره يلتهم جسدينا وعمل على انتفاض جسدينا من ما تبقى منه من لحم وشحم واصبح لا يستر عظامنا سوى الجلد اى اصبح الجلد على العظم كما يقولون او يشبهون من هم اشد نحافة ووهنا جعلت والدى ووالدتى وكذا والدها ووالدتها يحسان بما الم بنا من ضعف فانتابتهم الحيرة والقلق واذا كان القلق قد انتابنا نحن قيراط فقد انتاب اسرتها اربعة وعشرون قيراطا ولكن ما العمل هل تتقدم اسرتها لخطبتى ونحن اناس شرقيون ولنا عاداتنا وتقاليدنا طبعا لا 0

    فعادات وتقاليد الشرقيين تابى على اسرة البنت وتجيز لاسرة الابن هى التى تتقدم وهى التى تخطب لابنها وهى التى تقدم المهر المطلوب والذى يليق بالبنت وبوازع من الرافة والرحمة وبواسطة امراة كانت تقطن الحارة وكانت تعلم عما يربط بينى وبين البنت من حب عارم او كانت البنت سببا فى تحركها الله اعلم فدخلت فى الموضوع مما جعل والدى يوافق وذلك بايعاذ من والدتى ايضا وتقدم والدى وخطبها لى وخلص الكلام على ذلك 0

    سمعت بهذه الخطبة حيث كان الوالد فقط هو الذى يتكلم فى بادىء الامر ولا يصطحب ابنه معه المهم لم اعرف لذلك سببا انذاك فالذى كان يهمنى فى المقام الاول ان والدى تقدم لوالدها وطلبها منه الى وارتاح الكلام وعادت الروح مرة اخرى الينا بعد ان اوشكنا على الهلاك وسرت النشوة من جديد تهز ابداننا وخرجنا من العذاب الذى كنا نعيش فيه وكاننا لم نتعذب ولم نقلق من قبل وهدات روحنا واطمئن كل منا وسارت الحياة طبيعية كما كانت عليه اول الامر وتحقق لكل منا الامل الذى كان يسعى اليه ولفنا الهدوء وغمرتنا السعادة الفياضة التى لم ولن تنضب ابدا حتى اننى ذات مرة كنت عائدا من القاهرة الى اسيوط وتذكرت ان اسرة خطيبتى ببلدتهم فبدلا من ان اقطع تذكرة القطار من القاهرة الى اسيوط قطعتها من القاهرة الى مركز القوصية والتى كان اهل خطيبتى باحدى قرى المركز فوددت ان ازورهم اثناء عودتى من القاهرة وكنت وانا راكب القطار متحفز فى همة قوية وبودى اسبق القطار كى اصل بسرعة ولكن القطار لم يهمه شانى ولم تهمه لهفتى يصل فى ميعاده او قبل ميعاده او بعده فلم يهمه فى الامر من شىء وانما الذى يهمه فى المقام الاول هو انا الذى بلغ الصبر به مداه وكنت بين حين واخر اضرب القطار بيدى وكاننى احسه على الجرى باقصى سرعة ولكنى كنت كلما مر الوقت دون الوصول الى المحطات المتتالية بطيئا كنت اضربه بيدى وكيف اضربه بيدى وهو لا يحس بى ولا بشعورى ولا لهفتى فاستسلمت له فى النهاية تاركا القدر يفعل بى ما يشاء واخيرا وصل بى القطار الى محطة القوصية فى ساعة متاخرة بعض الشىء ليلا ونزلت المحطة وعبرت الشارع المؤدى الى موقف العربات مصمما على الذهاب ليلا وطلبت من احد السائقين ذلك فنصحنى قائلا : القرية هناك معتمة وكان صادقا فى قوله حيث ان كهربة الريف لفم تنشا بعد فصدقته فى ذلك ثم قال لى ثانيا ان فيها كلاب متوحشة لا تامن باسها واقنعنى بان ابيت ليلتى باللوكانده المجاورة للموقف وفى صباح اليوم التالى باكرا تصل بمشيئة الله وقد اخذت بنصيحته وبت ليلتى باللوكانده وركبت فى صباح اليوم التالى عربة الى القرية حيث سالت على بيتهم فدلونى عليه واستقبلونى استقبالا حارا مرحبين ومهللين بى وقدموا لى واجبى وانصرفت عنهم اخـر النهار امـا زيارتى لهـم فكان مبلغا مـن المال قدمته لخطيبتى وانـا كدت اطير من الفرحة 0

    وصار الحال على هذا المنوال وهنا كانت الطامة الكبرى فلم اكن ارى ما يخبؤه لى القدر فقد علمنا ان والدها سيحال على المعاش رغم صغر سنه وخروجه مبكرا لان العسكريين وخاصة الذين يعملون بالجيش يسوى معاشهم فى سن مبكرة عـن سـن موظفى الحكومة فحزنت حزنا شديدا رغـم ان الخطبة قـد ربطتنى بها وسكنت من روعى 0

    وبعد فترة ليست بالطويلة اتى والدها مصطحبا اقربائه وقابلا والدى وانا لا اعرف شيئا الا ان اصطحبنى والدى بعيدا عنهم وقال لى ما رايك فيما يقولون فقلت وما يقولون ؟

    قـال لقـد قـال لـى والـد خطيبتـك ان البنـت جالهـا عريس ياتشيلوا ياتشيلوا فما رايك الان ؟

    فقلت له مستطردا رايى من رايك 0 فقال لقد اتونى فى حين غفلة وعلى غير استعداد بمصاريف الفرح وهما يحثانى على التعجيل بالفرح فاخذتنى الرافة بوالدى ولم ارد له بالتورط من ا جلى وحتى لا اكلفه مالا يطيق فلم يكن له عمل سوى الزراعة وبضع الافدنه التى كان يملكها بعد ان وزعت التركة التى يملكها جدى الى والدى واعمامى الثلاثة الذين يكبرون عنه سنا وحتى لا اجنى على اخوتى واكون انانيا 0

    وقد بدا على وجهى الحزن والالم ومع هذا كله فقد ذهبت معهما لاودعهما وقد عزمت عليهما بساقع وشربا وهما يريان انعكاس الحزن على وجهى وقد تملكت القسوة من قلبيهما ولم يرافا بمجروح مثلى يقاسى الم النار المضطرمه فى داخله اما هما فقد دجاسا على قلبيها وانا لا يهمنى الرجل الذى مع والدها فى شىء وانما يهمنى والدها الم يراعى ظروف ابنته او لم يشترى خاطرها ما اقصى هذا القلب وما اجرمه من فتور 0

    لقد سمعت بعد ذلك ان اسرة خطيبتى اقصد امها وهى قد حزنتا حزنا شديدا ووالدها ايضا لانه كان فى اعتقاده وبعد ان استغل ظروف حبى لابنته فكان متعشما ان يكون الرد بخلاف الرد الذى قوبل به او كان على عكس المتوقع 0

    وعلـى رغـم ما حدث فانا محتفظ بهـا فـى مخيلتى ولـم ولـن انساها فانا اتذكرها دائما واتذكر صورتها التى طبعت فـى مخيلتى منـذ كانت تعيش بيننا او على مقربة منا 0

    واود من القارىء الا يسخر منى فحين كنت فى كل مرة اسافر فيها اتذكرها عند محطة البلدة سواء فى ذهابى او ايابى قائلا لنفسى وانا بداخل القطار الى هذا الحد الحب لا ينطفا ولا زال طيفه يمر كالسحاب بمخيلة من يحب وبعد كل هذا وبعد ان مررت بقصة حب قوية وانتهت بعدم الزواج لكن اعيش حتى الان على ذكراها وقد اقتبست من هذه التجربة حكاية القسمة والنصيب والانصياع وراء ما تقدره الاقدار فانا لن اتمنى لمن هم مثلى ان يظلموا او يحرموا فمن جرب الظلم والحرمان فلا يرضاه لغيره مهما كانت الظروف 0

    بعد هذا فقد تزوجت من فتاة لم تكن على البال ولا على الخاطر ولا فى الحسبان وشاء لى القدر بها وكانما القدر قد اختارها فهى طيبة القلب صالحة ترعانى وترعى مصالحى وذلك بالرغم من عدم تعليمها الا ما يجعلها تجيد القراءة والكتابة فقط ولكن الله عوضها عن التعليم حيث كان كل والد فى ذلك الوقت يحجب ابنته عن التعليم وذلك بعد التعليم الالزامى او الابتدائى فقد يرى ابنته على وشك ان تكبر فكيف يسلمها للسير فى الشارع وحيده دون راعى فمن هذا كان يكتفى بالتعليم الاولى فقط 0

    وعلى الرغم من كل هذا فهى ست بيت عظيمة بل واكثر من عظيمة فهى تستحق ان تلف يديها فى حرير بارعة فى كل ما تقدم عليه من مأكل او ملبس بل فى كل ما تقتضيه ظروف المنزل فضلا عن كل ذلك انه لم ياتى على يوم وتحس فيه اننى مغبون وتتركنى ابات فى غمى وزعلى وان كنت انا السبب فى النكد فلا تلبث ان تصالحنى فهى زوجه مثالية بكل ما تعنيه هذه الكلمة فقد عوضنى الله بها فالله يعلم وحده بمدى الظلم الذى وقع على من والد خطيبتى الاولى والتى كنت احبها وحرمانى منها وهى التى كانت روحى معلقة بها والتى كنت احسها دائما باننى السمكة وهى الماء وما بال السمكة التى تحرم من مائها لحظة فلا يرجى لها البقاء ولولا رضائى بما قسمه الله لى انذاك لكنت فى عالم اخر غير هذا العالم الذى نقاسى فيه الامنا وحرماننا وعذابنا فبوازع من ايماننا بالله وما رسمه لنا وقدره ولم لا نهتدى بقول الله " عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم فالرضى بما قسمه الله لعبده فيه الخير والبركة وقد رزقنى الله منها بنين وبنات ونحيا جميعا حياة موفقة وسعيدة على خير ما تكون السعادة والوفاق من هنا ارى ان القدر قد عوض النار التى كانت تضطرم داخلى والتهمت قلبى واحشائى وبدلت حزنى واستيائى وذلى وانا امام رسولا الفرقة والحرمان واللذان كانا يحسان بى ذليلا محروما مدحورا بعد ان انشل تصرفى معهما قدر الله لى ان يعوضنى بما هو خير لى فلا تدرى ايها القارىء ان بعد وصولى لهذا السن من الكهولة اننـى اذكـر دموعى التـى كانت تسيح امـام اعينهما وهمـا دون مبالاة تركانى فى همومى 0

    وقد ارسلت خطابا دون علم والدى املا ان يكون والدها قد عاد الى رشده وقدر موقفى الذى رآنى فيه وانا على حالة يرثى لها ولعل وعسى ان يحيد او يرجع او انه قد قاسى موقفى هذا بموقف ابنته بعد مقابلتها بالخبر المفاجىء والذى حال بينى وبينها قد يختلى لنفسه ويراجع ويقارن بين ما هو رآه لحاليتنا التى لا ترضى عدوا او صاحب وكى ترجع الحياة لمجاريها واكون انا الذى طرقت الباب مرة اخرى وبدات حتى احافظ على ماء وجه والدها ولكنى فوجئت بالرد يقول لى ممكن احتفظ باختها لك التى تصغر عنها بعدها طويت الخطاب واكتفيت بعدم الرد بعدها خطب لى والدى زوجتى هذه والتى اعيش معها حتى الان وذلك بعد ان دلنى عليها احد اصدقائى فقد كان متزوجا من ابنة عمتها وقد الح على صديقى حتى قبل ان تفسخ خطبتى من حبيبتى التى لم يكن لى نصيب فيها وقد رفضت رايه رفضا تاما متمسكا بحبيبتى من كل قلبى الوحيدة فى حياتى والتى قد تعمقت بجذور حبها فى قلبى 0

    وبعد ان علم صديقى بفسخ خطوبتى مع من كنت احبها عاودنى مرة اخرى لاخطب ما دلنى عليها من قبل وهى التى تعيش معى الان وبقى لى اولاد وبنات منها وقد انصعت لرايه وتقدم والدى وخطبيها لى وبعد مرور بضعة شهور من خطبتها لى توفى والدى اثر مرض مفاجىء فقد توفى قبل زفافى ولقد كنت احبه كثيرا جدا فقد كان كل حياتى كنت احبه من قلبى فلم يعرف الحزن طريقا الى قلبى الا بعد وفاة والدى لقد كانت الوفاة اول صدمة كبيرة افجعتنى وغايرت صوابى احسست بقيمته اكثر واكثر وحال القدر بينى وبينه فهذا قضاء الله ولا راد لقضاءه ولانه كان معروفا فى البلدة نظرا لسمعته الطيبة حتى فى القرى المجاورة كان يزيع صيته فى الكرم والجود والرجولة والشهامة والله على ما اقوله شهيد توفى والدى وقد اتاه المرض اثناء عودته من الغيط وقد فوجئت وانا اسير فى الشارع رجلا يركب دابه وقد اسندوه الرجال يتقدمهم اخر يقود الدابة والناس الملتفين حوله ماخوذين وعلى وجوههم الحزن وهذا كان يرجع الى سمعته الطيبة واخلاقه الحميدة وفى هذه الاثناء سالت احد المارة ولم يكن يعرفنى وانا اقول له علشان ايه اللمه دى كلها فرد على قائلا واحد اسمه عبد الحليم عبد المطلب فسقط قلبى من رجلى وتقدمت وشققت الجمع وامسكت بقلد الدابة قائلا مالك يابوى ايه اللى جرى لك واندفعت فى البكاء فقد كنت لا ارى امامى منذ نعومة اظفارى الا هو وقد هدا الجمع من روعى وذهبنا به الى المستشفى العام باسيوط وبعد الكشف احيل الى مستشفى الحميات واتضح اخيرا انه اصيب بحمى شوكية قد اقعدته عن الحركة وافقدته النطق كنت انا المرافق له بالمستشفى حيث كانت والدتى تراعى اخوتى الصغار ولقد صومت من وقتها عن الطعالم حزنا واسفا على مرضه فقد كانت عيناى تدمع وقلبى يتمزق باكيا عليه 0

    بعدها سعدت سعادة غامرة واجتاح قلبى نوعا من الارتياح حيث رايته ليلة الثلاثاء والدم يعود الى وجهه وتتغير ملامحه الى الاحسن فظننت انه سيشفى فتناولت شيئا من الطعام والذى قد انقطعت عن تناوله طيلة الثلاثة ايام التى قضيتها معه بمستشفى الحميات حيث دخلها يوم الاحد وفى فجر يوم الاربعاء انقطع الشك باليقين فقد ايقنت وفاته فملك الموت لم يشا يقبض روحه الا وهو فى حالة احسن من الحالة التى كان عليها قبل وفاته وانقلب فرحى الى حزن وغم فقد سبق وان قلت انه عندما لاحظت انه على وشك الشفاء والدم بدا يسير فى عروقه من جديد واتضح ذلك وانعكس على ملامحه تناولت على اثرها الطعام ودخلت العنبر الملاصق للعنبر الذى يرقد فيه والدى دخلته فرحا مستبشرا فلما سالونى المرضى عن صحة والدى قلت الحمد لله انشاء الله سيشفى اتارى القدر كان متربصا له فقد سمعت المستشفى باكملها فجر الاربعاء من شهر ابريل سنة 1962م صراخى المجنون الذى انبعث اثر وفاته بعدها شيعت جنازته وانا لن يهدا لى بال ولا تهدا لى ثائرة فكانت اول صدمه لى فى حياتى وبعد انقضاء ايام الجنازة رجعت بذاكرتى الى الوراء ومرت بمخيلتى منظر حمله على الدابة تسنده الناس فوجدت الحصان مربوطا مكانه واين بندقيته التى كان يتقلد بها وهو ممتطى فرسه والبندقية الخرطوش عيار 12 المرخصة والتى تشكل لنا مسئولية لا يستهان بها امام الشرطة سائلين عنها وهناك سيكون سؤال وجواب ولما سالت والدتى عنها اخبرتنى بانها وقعت فى ايدى امينة وسلموها لنا فحمدت الله على ذلك وسلمناها للشرظة قانونا لحين استخراج رخصة غيرها ولما تعذر استخراجها قد استخرجها شخص اخر نظير مبلغ من المال دفعه لنا فتنازلنا له عنها حيث كنت صغير ولا استطيع وقتها حينئذ حمل سلاح 0

    وفى شهر ابريل 1963م قد استلمت عملى بكلية العلوم بجامعة اسيوط وذلك بعد وفاة والدى بسنة واحدة وفى نفس الشهر الذى توفى فيه والدى تزوجت زوجتى هذه والذى كان قد خطبها لى قبل وفاته فى شهر اكتوبر من نفقس السنة التى استلمت بها عملى 0

    وبعد ان تزوجت واستقرت حياتى علمت بان والدة حبيبتى اتيه لتوفى ندر كان عليها لدى سيده من اولياء الله الصالحين حيث ان ضريحها ومقامها بشارعنا الذى نقيم فيه وانتظرت مجيئها فقد اتت وابنتها التى تصغر عن ابنتها التى كنت بحبها وكذلك ولديها فرحبت بهم ترحيبا حارا وقامت زوجتى بتجهيز الطعام لهم فرجعوا مبسوطين ومجبروين الخاطر معتبرا ان زوجتى التى معى هى بمثابة ابنتهم وكان شيئا لم يكن مسلما بقضاء الله وارادته متناسيا كل شىء هذه هى حكايتى التى طالما ترددت فى كتابتها ولكن الذى دفعنى الى كتابتها هو ان اجعل غيرى والذى مر بقصة حب مثلى والقدر فرق بينه وبين من يحبها لا بد وان يستسلم بما اراد له به الله ويرضى بما كتبه الله له 0

    الله دائما يريد لعبده ما هو خير فقد كنت دائما وابدا اتصور فى مخيلتى انى بدون حبيبتى التى احببتها الحياة ستقف ولن يكون لها طعم بغيرها او بدونها ولكن بعد هذه التجربة رات عيناى ما انا فيه الان وامنت ايمانا عميقا بتدخل القدر محسنا ظنى بالله الذى يريد لعبده الخير دائما 0

    وقد يقول القارىء فى نفسه بعد قراء هذه القصة متهكما ؟

    الم يكن فى الدنيا ابن يحب والده الا هو ؟

    اقـول نعـم :

    اولا رغم حبه لى ولاخوتى الا انه كان فى نفس الوقت صارما يحثنا دائما على القيم والاخلاق ويحثنا ايضا على احترام من هم اكبر منه سنا والبعد عما يغضب الله والبعد عن الحرام فقد كانت له خصال طيبة اقتبسنا منها ما امكن لنا اقتباسه فادعو الله متوسلا ان يغفر ذنوبه فان كان محسنا يزيد الله فى احسانه وان كان مخطئا يتغاضى الله عن سيئاته ويغفر ذنوبه ويدخله واسع جناته لانه لم يهمل فى تربيتنا بل كرث حياته من اجلنا فاقل ما نقدمه له الرحمة والغفران فلقد ظللت حتى الان وانا فى ذلك السن ازوره وفى اثناء وقوفى على قبره اتصوره فى مخيلتى انه لا زال بدمه ولحمه ولم يحبسه عنى وعن مقابلتى والتحدث معه الا الحكم الذى قضاه الله عليه ربى وربه 0

    وارجو من القارىء الا يقسو على ويقول لم ختم قصة حبه وفرحه بموت والده والحزن عليه ؟

    اقول له اردت ان اسردها حتى لا انسى والدى وواجبى نحوه كى اعطيه بعضا من حقه وهذا اقل ما يكون الوفاء من ابن لوالده اذا قيست كلماتى التى كتبتها عنه بمدى الزمن الذى عاشه معنا مناضلا ومكافحا ومتفانيا فى تربيتنا فبالرغم من انه كان الموسرين من ذوى الاملاك عن اب وجد وليس ما ذكرته اقصد التفاخر به او التعالى فكم من موسر مثله انفق ماله فى طريق غير مشروعه ولكنه رحمه الله كان كل ما فى يده لنا رحمه الله رحمة واسعة

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 01, 2024 12:41 am