ياتى موسم الحصاد بالخير الكثير وغالبا فى شهر برمهات من كل عام حيث نتذكر ما كان يقال عن شهر برمهات " شهر برمهات روح الغيط وهات كل الحاجات " ويقصون بالحاجات هذه ما تنتجه الحقول من خير وفير كالقمح والعدس والفول من الحبوب ولا يفوتنا ان ننوه عن بعض الشهور القبطى حيث كانوا يذكرون كل شهر بمحاسنه او سيئاته فكانوا يقولون عن شهر كوبة ينشف العرقوبة لانه شهر الرد وكيهك يقولون عنه فى كيهك برد فوق وبرد تحت وعن شهر امشير فيه العواصف والزعابير يليه شهر برمهات وهو شهر الحصاد وجمع المحاصيل كالقمح والشعير والبرسيم والحلبة والترمس وجميع انواع البقول تقريبا وكان يقال عن الفيضان لو فاتك بحر مسرى استناه لتاتى عم فشهر مسرى كان الفيضان فيه على اشده فاذا لم ياتى الفيضيان فى شهر مسرى فلا فيضان فى هذه السنة وكل هذه الامثلة اتت عن خبرة وتجارب فلما كان شه برمهات هو شهر الخير يكثر فيه البائعين الذين يتجولون على اصحاب الغيطان لاعطائهم ما يحملون معهم من بضاعة وتتمثل تلك البضاعة فى بعض الفوط اما الباقى من الذين يحملونه من انواع الحلويات كالملبن واقماع العسلية وغيرها ومن انواع الادام كالملوحة ومن انواع التسلية كالترمس والفول المقلى والبليلة والسجاير وما الى ذلك من الانواع التى يفضلونها المزارعين والفلاحين فالبائعين كانوا ينتشرون ويتجولون فى الحقول للحصول على ما فى الحقول من خير وفير يقتاتون منه ه واطفالهم واسرهم طول السنة الى ان تأتى السنة تاتى بعدها فيعبدون الكرة وهكذا كل عام فكان شهر برمهات هذا هو شهر الخير فاذا تأملته تراه عيد للجميع الفلاحين غنيهم يمن على فقيره بلطف وسخاء مقطوعى النظير وكانت القلوب على بعضها المزارع فرح بما اتاه الله من محصول وفير والفقير فرح بما قد يمنه الله عليه من خير على يد الاغنياء من المزارعين وهذا الشهر يختلف تماما عن شهر مسرى وهو شهر الفيضان شهر التعب والشقاء والكد والكفاح وغالبا ما يكون فى شهر توت حيث كان المزارعين فيه والفلاحين تتنافس فيما بينهم فى تخضير وزراعة الارض بعد ان تصفى الحياض من المياه حيث كانت البلاد فى ذلك الوقت من كل عام وفى نفس الشهر شهر مسرى تغمر الارض بمياه الفيضان الحاملة للغرين وهو الطمى الغنى بمادة الكالسيوم اللازمة للزراعة كما ان الارض بمياه الفيضان لايام طويلة تساعدها على موت الديدان الضارة بالزراعة فتتسابق الفلاحين حيث كل منهم يجتهد فى ان تاتى زراعته بانتاج قد يحسد عليه نظير تعبه وشقائه فمنهم من يقوم بحرث الارض وتفليحها ومنهم من يرمى البذور فوق الارض اللينة والتى كانت تغمرها المياه ق تراها بعد خروج النبات من الارض فكلها تثبت بترتيب واضح وكأن اليد التى برتها تبدر بميزان حساس لا تشوبها شائبة فلا ترى مكان مزدحم بالنبات ومكان خالى من النبات بل النبات يخرج من الارض بميزان الدقة فالفلاح الذى يبدر البذور كان يعلق فى كتفه كيس من القماش يسمى بدارة مملوءة بالحبوب وكلما نقصت منها البذور ملئت بحبوب غيرها وهكذا او لم سميت بدارة لان الفلاح يحملها على كتفه وبها البذور اى الحبوب المراد زراعتها او انباتها ياخذ بيده منها الحبوب ويبدرها الا يبعثرها بطريقة منتظمة على الارض واثناء بدار الحبوب ترى من خلفه اثنين او ثلاثة من الفلاحين كل منهم يحمل لوح عنه لوح اللوق ولوح اللوق هذا عبارة عن قطعة خشب مستطية سمكها لا يزيد عن اثنين سنتيمترا وعرضها لا يزيد عن عشرة سنتيمترات وطولها لا يزيد على اربعين سنتيمترا مثبت وفى وسطها عصاه طويلة لا تزيد على متر ونصف يمسك بها الفلاح ويمرر بها اللوح على البذور كى يفطنها بالطين فتنبت البذور ويخرج النبات فترى الارض مكسوة بالسندس الاخضر الجميل وبهذه الطريقة يزرع بها القمح والبرسيم والحلبة والفول واحيانا تزرع القمح والفول بالمحراث حيث تبدر البدور بالطريقة التى ذكرناها والارض فى هذه الحالة تكون شبه لينه وبعد ان تبدر الارض بالبدور يحرثونها بالمحراث كى تغطى البدور اللينه وتنبت على اثرها فى صورة جميلة تسر الناظرين ولما كان رى الحياض فى ذلك الوقت سنويا ومألوفا كانت المزارعين والفلاحين يحسبون لها الف حساب وحساب لانها كانت المحاصيل تاتى فى اوقات معينة فكانت كعيد حصاد للفلاحين حيث يجمع فيه الفلاح ثمة جهده وكفاحه والمحراث المألوف والذى كان مستخدما فى ذلك محراث بلدى يجره زوج من الثيران يقودهما احد الفلاحين فيرسم خطوطا منتظمة تغطى البذور للانتاج وهكذا رغم ان كانت الحياة بين المزارعين والفلاحين بدائية للغاية ولكن كان لها طعم وشوق ومذاق ذات نكهة لذيذه تحسها الناس من العام الى العام وما كان يحدث فى موسم الحصاد الشتوى يحدث ايضا فى ايام الصيف حيث تقطع فيه الذرة الرفيعة والشامى وتلقع فيه السمسم وتتجول فيه البائعين ايضا ايام كانت كلها خير وبركه فكان البائع من هؤلاء يعمل مسطاحا من قناديل الذرة لا يقل عن مسطاح المزارع وهو صاحب الارض نفسه كما كان يحدث ايضا بالنسبة لمحصول القمح حيث كان البائع ياخذ من المزارع نظير تقديمه للفلاحين الذين يعملون بالحقول حزم من القمح يجمعها يوميا ويعمل لنفسه جرنا من القمح لا يقل عن جرن صاحب الارض وكان يرزق من بعضه ولما كانت المهنة الوحيدة فى الماضى هى الزراعة فكانت تقام بعد الحصاد مباشرة الافراح فمنهم من يزوج اولاده او يعمل على حياتهم فتقام الليالى ليالى افراح وتموج القرى بضرب الدف وسماع المواويل واقامة حلقات الذكر والبهجة تعلو وجوه الرجال والنساء والاطفال وقد يسأل القارىء ويقول لماذا كان كل هذا ؟ اقول انه كان فى الماضى المورد الرئيسى للدولة كانت الزراعة والكل يعمل فى الارض الغنى والفقير جنبا الى جنب لا يستغنى احدهما عن الاخر فكانت لها بهجة وسرور فى قلوب الناس بخلاف ما نراه فى ايامنا هذه حيث كثرت الوظائف فى المصالح الحكومية والمصانع والشركات وكل موظف وعامل فى حال سبيله حيث هجرت الارض ودفن الحب والتآلف فيها فاندثر كل ينبوع كان يفيض بالمحبة والرخاء فاين التعاون الذى كان قد ذهب مع الريح ؟ فالتعاون قديما وقبل ظهور النهضة التى نعيشها كان نابعا عن الحب ومثال ذلك انه حيث كانت تحدث لفرد من العائلة مصيبة كموت فرد منها فالكل يتعاون فى اقامة المآتم غير مكلفين اسرة المتوفى مليما واحدا شاعرين بما هم فيه من حزن وهم متكافئين ومترابطين فمنهم من يقوم بتقديم الطعام عن يوم كامل لاسرة المتوفى ولقراءة القرآن وعمل الشاى والقهوة تعاون وثيق نفتقر اليه فى ايامنها هذه ونحن فى حاجة الى الالفة والمحبة وتجمع الاسر بعضها ببعض فتجد الاهل والجيران فى رابط وثيق كل منهم يعاون الاخر وما كان يحدث فى المآتم يكون كذلك فى الافراح التعاون الترابط والمساهمة فى دم كل انسان كل يقدم ما يستطيع ان يقدمه حسب ما يملك من سعة فى الرزق والعيش فى ترى من يكل ويضن بما عنده ولا ترى من يئن ويضج فى ساعة العسرة حقيقى ناس شبت على الفطرة والخلق القويم فكل شىء كان يتم بالمساعدة سواء كان فى العمل بالحقل او العمل بالبيت ومثال ذلك كان الشباب يعاونون بعضهم البعض فى العمل فاذا ما رأى صديقا لهم يحتاج الى معاونة فكانوا يعقدون العزم على معاونته وهكذا بالتبادل فيما بينهم من منطلق النهاردة عنك بكره عندى فلا يشك على من عنده عمل مشقة تكلفه الكثير والكثير فبالتعاون يتم كل شىء وهكذا كانت الحياة فى الماضى تختلف اختلافا كليا عما نعيشه اليوم حيث الفرقة وطغيان المادة على كل شىء ونعيش بكلمة فلان عنده كام وفلان عنده كام وانتزعت الرحمة من القلوب الاخ لا يحب لاخيه ما يحبه لنفسه فهجروا كل من كان قيم ومحبوب الى النفس والقلب واود الا يفوتنى تلك المشهد الذى اود ان اوضحه للقارىء أن ما للحراث البلدى من بطء فى الانجاز الا انه كانت له ميزه رائعه فى انه اثناء حرثه للارض ترى وراءه عرس بهيج مكون من افواج من الطيور صديقة الفلاح كأبو قردان وأبو الفصاد والغراب يتنافسون وراء مستخدم المحراث كى يلتقطون الديدان والتى تظهر اثناء تقليب الارض وحراثتها .فيتنافسون فى التقاطها وهذا يختلف اختلافا كليا وجوهريا عن المحراث الميكانيكى الذى يعمل بسرعة وانجاز كبيرتين ولكن لا ترى وراءه العرس الذى تراه خلف المحراث البلدى لان المحراث البلدى يعمل فى هدوء دون ضوضاء مما يجعل الطيور تالفه ولا تخافه فتسير مطمئنة خلفه تلتقط الديدان اما المحراث الميكانيكى فيحدث صوتا مرعبا ومخيفا تجعل الطيور تنفرد وتبتعد عنه تاركة الديدان ترعى دون خوف او رعب يهددها فحرمنا من المناظر الجميلة التى الفناها وتعودنا عليها من قبل وان وجدت تراها تبعد عن المحراث بمسافة قد تتيح للديدان ان تنغرس فى الارض مرة اخرى فلا تكون معها سيمفونية جميلة كالتى تكون خلف المحراث البلدى ومستخدمه والتى رايناها من قبل فى ابهى صوره ولا يفوتنا فى موسم الحصاد ايضا عن محصول جنى القطن فكان لجنى القطن آنفا حدوته كبيرة جدا حيث كان فى موسم جنى القطن الحقول تموج بالشباب والشابات الذين يجنون القطن حيث كانوا يسلون انفسهم بالغناء وصغار التجار مبعثرين فى كل مكان يبتاعون القطن من الصبيان والكبار الذين كانوا يلتقطون من الارض وينظفونه من الاوراق الجافة العالقة به وكان يقال على هذه الصيفية اى انهم كانوا يصيفون القطن كما كانوا يصيفون القمح ويبيعونه لهؤلاء التجار فتكون البلاد والقرى فى ذلك الموسم فى رواج دائم وتقام نتيجة لمحصول القطن وما يعود بالخير على الفلاحين والافراح التى كانت تقام من زواج وختان وغير ذلك من ليالى الفرح والبهجة هذا كان قبل ان يتدخل ذلك الوقت بتحديد الدودة الزراعية ووضع يدها على كل كبيرة وصغيرة وهى التى تمسك بزمام كل شىء مما جعل الفلاحين تتمرد على زراعته اقصد زراعته القطن لان الفلاح كان قبل ذلك يكيف زراعته حسب هواه وحسب ما يراه مناسبا وسيعود عليه وعلى اسرته بالخير فقد يقسم ارضه لاحتياجاته الخاصة من قمح وذرة وغير ذلك ولكن بعد ان طبق النظام الاشتراكى ووضعت الحكومة يدها على كل شىء واصبحت تحدد المساحات التى تزرع قطنا فكان الفلاح من هؤلاء تقع مساحة ارضه كلها فى القطن فاذا ما اصيب القطن بدودة ورق القطن انخرب بيت الفلاح فلا يجد ما يفوت به اطفاله واسرته الى ان جاء الوقت الذى كان فيه الفلاح يتمرد على زراعته ويزرع بدلا منه قمحا يطعم به اسرته مخالفا لما حددته الحكومة فاذا ما وقعت ارضه ضمن مساحات القطن المحدده يابى ان يزرع ارضه قطنا ويزرعها كما يشاء فذهبت مع هذا النظام البهجة والافراح حل محلها الكبت والكآبة فبدلا من ان كان الفلاح يتعامل مع التجار اصبح يتعامل بمحصوله مع موظفى الحكومة بالجمعيات الزراعية وما ادراك ما الجمعيات الزراعية ونحن نعلم ان موظفى الحكومة بالجمعيات الزراعية لا يهمها مصلحة الفلاح بقدر ما يهم التاجر مصلحة الفلاح لانه يستفاد من ورائه فكان يسهل عليه كل ما يحتاجه من كيس يعبأ فيه القطن ونقود تعينه على الزراعة وتربية المواشى بالتفاهم وعدم التقييد باوراق وبنوك قد تتمثل على كاهله بالديون ومصادرة ممتلكاته اما بالنسبة للتجار فالمنفعة تعود على الطرفين بالنفع والاستفاده فكانت المصلحة متبادلة تربح الطرفين امـا النظام الاشتراكى والذى كـان يمسك بزمام الامور والقبض بناصية كـل شـىء فـلا يهمه كبت الفلاح او قهـره فالفلاح ينصاع بمـا يمليه عليه الحكومة من اوامر .
موسم الفيضان والحصاد
Admin- Admin
- عدد المساهمات : 590
نقاط : 1769
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
العمر : 35
الموقع : اسيوط
- مساهمة رقم 1